“الدعاوى القضائية التي رفعت على المصارف وساهمت بوضع لبنان في المنطقة الرمادية”
شغل خبر ادراج لبنان رسمياً على “القائمة الرمادية” في قوائم منظمة العمل المالي “Financial Action Task Force” الوسط اللّبنانيّ في اليومين الماضيين، وارتفعت وتيرة المخاوف من تداعيات هذا القرار خصوصا أنّ النظام المصرفي اللبناني يواجه ضربات قاتلة قد تطيح به وبمستقبل الودائع التي يُعول اللبنانيون عليها. فماذا تعني القائمة الرمادية ومن هو الخاسر الأكبر من هذا التصنيف ومن هم المستفيدون محليا؟
في حديث لـ”المركزية” يؤكد الباحث الاقتصادي الدكتور محمود جباعي أنّ تصنيف لبنان ضمن اللائحة الرمادية يعني أن المجتمع الدولي بات ينظر الينا على اننا مصدر لتبييض الاموال ودعم الارهاب، لافتا الى أن لبنان وبفعل الازمة التي يمر بها بات اقتصاده نقديا (سيولة) وهذا الامر يثير على المستوى التقني، الشبهات بتبييض الاموال بالنسبة للمجتمع الدولي على عكس الاقتصاد المصرفي حيث تكون العمليات مسجلة وموثقة والكشوفات حقيقية.
بالنسبة لجباعي، فإنّ وصول لبنان الى هذا التصنيف ينطلق من توجه خارجي وبمساعدة بعض الاطراف في الداخل، والهدف الضغط بشكل كبير لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية مالية ونقدية، مذكرا في هذا السياق بالدعاوى التي رُفعت على المصارف، حيث رأينا قضاة تدعي على مصارف بجرم تبييض الاموال فقط لعدم تزويدها بالمعلومات التي تريدها، مشددا على أنّ هذه القرارات القضائية كانت سببا أساسيا في وضع لبنان ضمن خانة من تبييض الاموال، وما لهذا الأمر من انعكاسات مؤذية على الشعب اللبناني والاقتصاد والمصارف وأموال المودعين!
والى الدعاوى القضائية التي رفعت على المصارف وساهمت بوضع لبنان في المنطقة الرمادية، يقول جباعي تأتي الحملة الممنهجة والمركزة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الخارج، وهي أيضا دعاوى برأيي يشوبها الكثير من الشوائب، خصوصا عندما اصدرت القاضية الفرنسية مذكرة توقيف بحق الحاكم رياض سلامة رغم عدم استماعها له، كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار لا المهل الدستورية ولا القانونية اللازمة لإقامة الدعوى، فهي لم تنتظر تبليغه أكثر من مرة قبل أن تتخذ تلك الاجراءات، لافتا في الوقت عينه الى أنّ هناك من يريد تسريع الوتيرة القضائية الدولية ضد الحاكم قبل نهاية ولايته لوضع لبنان في المنطقة الرمادية وتحميل الحاكم المسؤولية.
اما التأثيرات المباشرة لهذا القرار فهي عديدة، وقد فندها جباعي بالتالي:
اولا- سيؤثر وضع لبنان على اللائحة الرمادية بشكل مباشر على المصارف المراسلة، فهذه المصارف كان لديها خوف بالاساس من التعامل مع المصارف اللبنانية، فكيف الحال اليوم، حيث سيرتفع عامل الخوف من مساءلتها من جهات قضائية دولية عن مصير الاموال مصدر النزاع او مسارها. كما أن هذا التعامل يمكن أن يضع المصارف الاجنبية ضمن المنطقة الصعبة ما يدفعها الى رفض التعاطي مع المصارف اللبنانية.
اما نتائج توقف المصارف المراسلة عن التعامل مع المصارف اللبنانية فهي كارثية وفق جباعي، ومنها وقف الاستيراد والتصدير بشكل كبير، ما يؤثر على الاقتصاد المعيشي وعلى حياة الناس وسعر صرف الدولار ويكون وقعها مدمرا اقتصاديا واجتماعيا وأكبر من تداعيات 17 تشرين على المصارف، كما أن الخطر يلامس ايضا التحويلات القادمة من الخارج حيث تتجنب المصارف المراسلة الاقدام على هذه الخطوة خوفا من عقوبات دولية عليها.
وعليه، تمنى جباعي على المسؤولين اللبنانيين التوقف عن تراشق الاتهامات وتحميل الازمة الى الحاكم المركزي لتبرئة قوى سياسية استعملت أكثر من سبعين مليار دولار من أموال المودعين.
ويحذر من مخطط دولي للضغط على لبنان أكثر، وفي السياق، لا يستغرب بأن تبادر المجموعة الاوروبية التي تملك أذرعا في الداخل الى شد الخناق أكثر لتحقيق مكاسب عدة منها تعيين حاكم لمصرف لبنان قد يكون مقربا من فرنسا او جهة سياسية لبنانية، اضافة الى هدف مهم وهو المخطط الاساس والقاضي بشطب أموال المودعين للقول عفى الله عما مضى، وان المسؤول عن اموال المودعين هو حاكم المركزي وبعض المصارف، كذلك فرض اتفاق مع صندوق النقد الدولي وفق ما يريد البعض، على أن يكون بنده الاول شطب أموال المودعين أي شطب خسائر الدولة على مصرف لبنان وشطب ديون المصارف على المصرف المركزي.
برأي جباعي هذه هي الطبخة التي تُعد لوضع لبنان في المنطقة الرمادية ليستتبعها اقفال المصارف على أن يبقى منها 5 مصارف وتعود نسبة 15% من أموال المودعين وهو ما تبقى من الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان، وبعض الأموال في المصارف اللّبنانية.
في ختام الشهر السابع لتعطيل الاستحقاق الرئاسي (31 تشرين الاول 2022 -31 أيار2023 )، دخل هذا الاستحقاق امس منعطفاً جديداً هو الاول من نوعه، بانضمام الولايات المتحدة مباشرة الى الحملة الدولية للاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وقد هددت الادارة الاميركية بفرض عقوبات على المسؤولين الذين يعطلون هذا الاستحقاق وسط تحذير من خطر “انهيار الدولة ” في لبنان.
وتلاحقت هذه التطورات في ذروة قرار التعطيل الذي فرضه “حزب الله” ونفذه رئيس البرلمان نبيه بري الذي صرّح اخيرا بأنه لن يدعو الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية بذريعة “عدم وجود مرشح ملائم” لينافس مرشح الممانعة سليمان فرنجية، بالرغم من أن القوى المسيحية البارزة بالاتفاق مع عدد من مكونات المعارضة اتفقت على مرشح هو الوزير السابق جهاد أزعور ليخوض هذا السباق وسط معطيات بأن الاخير قادر على ان يحصل على 65 صوتاً إن لم يكن أكثر، ما يعني ان مرشح الممانعة سيخسر السباق حتماً.
وجاء الموقف الاميركي الجديد من الاستحقاق الرئاسي على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بربارا ليف التي قالت: “نعمل مع الأوروبيين لدفع البرلمان اللبناني إلى القيام بواجبه في انتخاب رئيس للبلاد”، معتبرة أن “إمكانية انهيار الدولة في لبنان ما زالت قائمة حتى الآن”.
واعلنت ليف أن “إدارة بايدن تنظر في إمكانية فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين على خلفية عدم انتخاب رئيس”.
جاء ذلك في الشهادة التي تلتها امس المسؤولة الاميركية امام اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأدنى وجنوب آسيا وآسيا الوسطى ومكافحة الإرهاب التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. وجاء في بيان تلته ليف:” تهدد الأزمة الاقتصادية والسياسية المتصاعدة في لبنان، بالتحول إلى تهديدات أمنية لأقرب شركائنا في المنطقة. ويشمل الطلب 150 مليون دولار في صندوق التمويل العسكري الصغير لمواصلة الدعم الأميركي للجيش اللبناني، وهو مؤسسة حيوية للأمن القومي تتمتع بدعم واسع عابر للطوائف، وهي المدافع الحقيقي الوحيد عن لبنان والشعب اللبناني”.
وافادت المعلومات المتصلة بما اعلنته ليف بأن هناك لائحة تضم 19 شخصية لبنانية على رأسها الرئيس بري قد تصدر بحقها عقوبات عن وزارة الخزانة بموجب قانون ماغنيتسكي إذا ثبت تورطها في تعطيل عمل البرلمان كي لا يُنتخب رئيس للجمهورية في غضون هذا الشهر.
وأتى هذا التطور في الموقف الاميركي غداة لقاء الاليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. وعلمت “نداء الوطن”، انه سبق اللقاء، وفي الاجتماع الذي عقده وزير خارجية الكرسي الرسولي الكاردينال بييترو بارولين الاثنين الماضي مع البطريرك الراعي في روما، اتصال اجراه الكاردينال بارولين مع الرئيس ماكرون أبلغه فيه ان الفاتيكان يبدي كل الاهتمام بلبنان عموماً والمسيحيين خصوصا إنطلاقاً من موقعه الروحي للمسيحيين الكاثوليك على المستوى العالمي، داعيا الاليزيه الى بذل كل جهد مستطاع لمساعدة لبنان انطلاقا من الارادة المسيحية في هذا البلد.
وعاد البطريرك الراعي فجر امس من باريس ووصف محادثاته بـ”الممتازة”، على ان يقوم المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض باتصالات مع القيادات المسيحية لوضعها في نتائج لقاءات روما وباريس.
على صعيد الاستحقاق الرئاسي، من المقرر ان يلتقي ازعور عبر تقنية الزوم مساء اليوم عدداً من النواب التغييريين كي يضعهم في تصوراته للاوضاع في لبنان.
في المقابل، واصل “حزب الله” حملته على مرشح المعارضة. فعلى موقع “العهد” الالكتروني التابع للحزب، جاء امس: “ان تسمية أزعور اليوم هدفها المناورة فقط وليس السير الجدي به لخوض معركة رئاسة الجمهورية، خاصة من قبل بعض الافرقاء المسيحيين الذين إما أن لديهم مرشحاً آخر او اكثر، او انهم يريدون طرح اسمه مقابل فرنجية في محاولة لاقناع داعمي الاخير بإمكانية التوافق على اسم آخر، على الرغم من التأكيدات الحاسمة التي كررها أبرز الداعمين لفرنجية وهو ثنائي حركة امل وحزب الله ان لا خيار آخر لديه غير اسم سليمان فرنجية”.
وقال عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، ” ان الفرض والتحدي لم يوصلا الى نتيجة بالاسم الاول (ميشال معوّض)، ولن يوصلا بالاسم البديل (جهاد أزعور)”.
يتكرر نفس السيناريو الآمن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في قصر العدل. فبعد افادته السريعة والمريحة إثر صدور مذكرة التوقيف الدولية الصادرة عن القاضية الفرنسية أود بوريسي، زار سلامة امس قصر العدل، بدعوة أيضاً من المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، للاستماع اليه بشأن مذكرة التوقيف الالمانية، الصادرة بحقه والمتضمنة اتهامات بجرائم اختلاس وغسل اموال وتبييضها مع تهرب ضريبي.
كرر سلامة أقواله السابقة وخرج بأمان وحماية، بعدما طلب “عدم تسليمه الى السلطات الالمانية”، وهو المطلب نفسه الذي ادلى به في “الجلسة الفرنسية” الاسبوع الماضي امام القاضي قبلان حين طلب محاكمته في لبنان وعدم تسليمه لفرنسا، لكن ما زاد في جلسة امس هو سؤال سلامة عن اسمين وردا في النشرة الحمراء بناء على مذكرة التوقيف الالمانية، هما ابنه ندي وابن شقيقته مروان عيسى الخوري.
وكما في التحقيق الفرنسي، فان القاضي قبلان قرر ترك سلامة رهن التحقيق، وأصدر قراراً ثانياً بمنع سفره بعدما سبق ان قام بحجز جوازي سفره اللبناني الدبلوماسي والفرنسي، وطلب من القضاء الالماني نسخة عن ملف استرداده، فيما لم يتسلم بعد ملفه الذي طلبه من القضاء الفرنسي.
مصدر مقرب من سلامة نقل عنه “اطمئنانه لسير العملية القضائية في لبنان”، وأنه “لا يحتمي بأي جهة سياسية ولا يعرف من يقصدون بكلمة (منظومة) التي تضحكه، بل ان حمايته نابعة من نزاهته ومهنيته فقط”، كما اكد المصدر.
في المقابل، أكدت مصادر قانونية ان ملاحقات سلامة وآخرين ستستمر في عدد من الدول الاوروبية بغض النظر عن مآلات العملية القضائية اللبنانية، موضحة انه “بات لدى القضاة الاوروبيين ما يكفي من معطيات عن الحماية السياسية والقضائية اللبنانية لحاكم مصرف لبنان”.
يذكر ان شقيق الحاكم رجا سلامة تغيب عن جلسة التحقيق في فرنسا والتي كانت محددة صباح امس لتقدّمه بمعذرة طبيّة بحسب وكيله القانوني في لبنان.
بعث رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول (جمهوري من تكساس) والعضو البارز غريغوري دبليو ميكس (ديموقراطي من نيويورك) رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يؤكدان فيها الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية المتزايدة في لبنان، بما في ذلك من خلال استخدام العقوبات المستهدفة للتوضيح للطبقة السياسية اللبنانية أن الوضع الراهن غير مقبول.
وجاء في الرسالة: “نكتب إليكم للإعراب عن قلقنا البالغ، في الوقت الذي يصارع فيه لبنان أزمة سياسية واقتصادية مستهلكة تدمر البلاد. وعلى الرغم من أشهر من المفاوضات لمحاولة انتخاب رئيس، لا يزال لبنان تقوده حكومة انتقالية ذات سلطة محدودة للمضي قدماً في الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. ويؤدي الفراغ السياسي الناتج عن ذلك، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، ما يؤدي إلى تضخم مفرط ومستويات قياسية من الفقر في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن المساهمة في المخاوف الأمنية المتزايدة حيث يسعى “حزب الله”، وكيل إيران الإرهابي، إلى تعزيز قبضته على البلاد.
وفي مواجهة عدم الاستقرار المتزايد، يجب على الطبقة السياسية في لبنان التغلب على خلافاتها بشكل عاجل والالتزام بتعزيز مصالح الشعب اللبناني. كما يجب على البرلمان أن يكسر شهوراً من التعنت لانتخاب رئيس جديد على وجه السرعة خال من الفساد والنفوذ الخارجي غير المبرر. ويتطلب الخروج من هذه الأزمة أيضاً رئيساً ملتزماً بدعم سلطة الدولة، بما في ذلك الضمانات المنصوص عليها في الدستور اللبناني، والمضي قدماً في الإصلاحات التي طال انتظارها، لا سيما الإصلاحات الاقتصادية الحاسمة التي أقرها صندوق النقد الدولي.
يجب على الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين أن يلحوا بصوت واحد على البرلمان لانتخاب مثل هذا الرئيس، وتنفيذ هذه الإصلاحات الاقتصادية الحيوية. كما ندعو الإدارة إلى استخدام جميع السلطات المتاحة، بما في ذلك فرض عقوبات إضافية مستهدفة على أفراد محددين يساهمون في الفساد ويعيقون التقدم في البلاد، للتوضيح للطبقة السياسية في لبنان، أن الوضع الراهن غير مقبول. كما ندعو الإدارة إلى مواصلة الضغط من أجل المساءلة الكاملة عن انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 ودعم جهود التحقيق الدولية المستقلة في الاحتيال والمخالفات الفاضحة من قبل حاكم مصرف لبنان المركزي. ويجب ألا نسمح بأن يكون لبنان رهينة لمن يتطلعون إلى تعزيز مصالحهم الأنانية. سنواصل الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني من أجل مستقبل مستقل وسيادي وسلمي ومزدهر”.