كأحجار الدومينو تتداعى هياكل الدولة فوق رؤوس اللبنانيين لتعمّق جراحهم تحت أنقاض أزماتهم المتناسلة من رحم الانهيار، وآخر تجلياتها “جرس الإنذار” الذي قرع أبوابهم خلال الساعات الأخيرة منذراً بوجوب أن يتحضروا للدخول في “عزلة سيبرانية” تقطع أوصال التواصل مع العالم، بعدما أصبح قطاع الاتصالات والانترنت آيلاً للسقوط تحت وطأة إضراب “هيئة أوجيرو”، سيّما مع بدء العديد من السنترالات بالخروج تباعاً عن الخدمة في العديد من المناطق اللبنانية.
وفي هذا الإطار، دقّ وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني قرم أمس ناقوس “الوضع الخطير جداً” على صعيد الانترنت، محذراً من أنّ “سقوط أوجيرو يهدد الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي برمته في البلد”، ونبّه إلى أنّ “أزمة الاتصالات كبيرة وستؤدي إلى عزل لبنان كلياً عن العالم وستتأثر بها كل الأشغال والقطاعات”، داعياً مجلس الوزراء إلى الاجتماع في أسرع وقت لحل هذه الأزمة.
وبعدما حمّل نقابة موظفي “أوجيرو” مسؤولية تهديد القطاع ومصالح البلد في حال استمرارهم بالإضراب، ردت النقابة عليه بالتشديد على أنّ من “يهدد الأمن والصحة والتربية هو من يعرقل رواتب وحقوق موظفي الهيئة”، مذكرةً بأن الموظفين سبق أن نفذوا إضراباً تحذيرياً في الفترة الماضية “لكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية… واليوم لن يعودوا عن إضرابهم قبل تصحيح الأجور”.
تزامناً، تتوالى تداعيات إضراب موظفي القطاع العام فصولاً بعد تأكيد تقاضيهم الرواتب على سعر منصة صيرفة الجديد، الأمر الذي قابلته أوساط الموظفين بتأكيد الاستمرار في الإضراب رفضاً للاستنزاف الحاصل في قيمة رواتبهم. وبهذا المعنى دعا رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي للمصرف إلى دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والعسكريين في القطاع العام والأساتذة في التعليم الرسمي وأساتذة الجامعة اللبنانية على سعر منصة “صيرفة” القديم البالغ 45 ألف ليرة للدولار، لأن اعتماد تسعيرة المنصة الراهنة بواقع 90 ألفاً للدولار سيعني خسارة إضافية بنسبة 50% من قيمة راتب الموظف العام، مناشداً الموظفين والمتقاعدين والعسكريين والأساتذة في التعليم الرسمي وأساتذة الجامعة اللبنانية “الثبات على موقفهم والوحدة في الرؤيا وصولًا إلى تحقيق المطلوب وقبض رواتب شهر آذار والأشهر القادمة مع متمماتها على سعر صيرفة 45 ألف ليرة”.
وفي خضمّ معركة “اللحم الحيّ” التي يخوضها اللبنانيون في القطاعين الخاص والعام، يواصل “حزب الله” أسر الاستحقاق الرئاسي ومتمماته الإصلاحية والإنقاذية في “قفص” ترشيحه سليمان فرنجية للرئاسة، باعتباره “يمتلك الصفات الملائمة والمناسبة من وجهة نظرنا” كما أكد نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم أمس، في معرض تجديد التمسك بفرنجية “الشجاع في المواقف وصاحب الخط الواضح”.
وعلى هذا الأساس، دعا قاسم الأفرقاء السياسيين إلى “إجراء حوارات من أجل تقريب وجهات النظر”، لافتاً إلى ضرورة مواكبة “المتغيرات التي تحصل في المنطقة بالاتجاه الإيجابي”، انطلاقاً من أنه “يفترض على بعض القوى أنَّ تعيد التفكير جيداً في خياراتها لأنَّ الأمور تغيرت في المنطقة”.
أما على مستوى الجهود الخارجية المبذولة تحت سقف المشاورات المستمرة بين أطراف “اللجنة الخماسية”، فمن المقرر أن يزور موفد قطري بيروت الأسبوع المقبل للقاء رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي و”مسؤولين آخرين”، حسبما نقلت أوساط مطلعة، ملمحةً إلى أنّ المقصود بـ”المسؤولين الآخرين” قيادة “حزب الله” تحديداً، لمحاولة التأسيس لفرصة “التطبيع” الرئاسي مع الحزب بما يتماشى مع التطلعات العربية والدولية حيال خارطة الطريق الإنقاذية المطلوبة للبنان.
وأعربت الأوساط عن قناعتها بأنّ الجهود التي تبذلها الدوحة في الاتجاه اللبناني “ستبقى تحت سقف تنسيق المواقف مع المملكة العربية السعودية”، مع عدم استبعاد إعادة تظهير اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون على طاولة النقاش القطري مع “حزب الله” بوصفه “المرشح الرئاسي الأقدر على جمع اللبنانيين وعلى حيازة أكبر قدر من الدعم العربي والدولي لتوليه مهمة قيادة المرحلة الإصلاحية والإنقاذية المرتقبة في البلد”.
كشف مصدر قريب من عين التينة ان الدعوة التي حددها صباحا رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد جلسة انتخاب الرئيس الاربعاء المقبل عند الحادية عشرة، لا ترتبط بموقف المعارضة واعلانها عن دعم ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، بل هي التزاما بما اعلنه بري منذ عدة اسابيع انه سيدعو الى جلسة قبل 15 الجاري.
واوضح المصدر، عبر وكالة “أخبار اليوم”، ان بري حين تحدث عن موعد 15 حزيران كان يعول على انضاج التسوية والتفاهم بين جميع اللبنانيين من اجل انقاذ البلد، مشددا على ان لبنان لا يمكن ان يحكم بالتحدي، وبالتالي من دون تسوية لا يمكن الوصول الى ملء الفراغ وانجاز كافة الاستحقاقات اللاحقة.
وذكر المصدر نفسه ان بري لطالما سعى الى التعاون مع مختلف القوى في الداخل والخارج، بالتالي للحؤول دون خسارة اي فريق، فعندها يكون البلد وحده الرابح من خلال توافق وطني عام.
وفي سياق متصل، اوضح المصدر ان نواب كتلتي التحرير والتنمية والوفاء للمقاومة وحلفاءهما يدرسون الخيارات المتاحة لجلسة 14 الجاري، دون ان يستبعد اللجوء الى الورقة البيضاء مرة اخرى، على اعتبار ان طرح ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية كان ضمن تسوية انطلاقا من المبادرة الفرنسية، وليس لزجه في حلبة الصراعات!
رأى المحلل السياسي وجدي العريضي, أن “الوضع الإقتصادي والإجتماعي في البلد لم يعد يحتمل لأي ترف من الوقت, وخصوصا أن هناك تحذيرات من إنهيار القطاعين التربوي والطبي بشكل غير مسبوق, لذا كان لا بد من اللبنانيين أن يساعدوا انفسهم”.
وأكد العريضي في حديث إلى “ليبانون ديبايت” أن “السعودية جاهزة لأي مساعدة للبلد وعدم التخلي عنه, وبالتالي المشاركة في أي مؤتمر للدول المانحة ومساعدته, ولكن ان يكون هناك رئيس توافقي دون التدخّل بأي أسماء”.
ولفت في حديثه إلى أن “البطريرك مار بشارة بطرس تبلّغ خلال لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن فرنسا لديها أسماء حتى وإن كانت داعمة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية”.
وشدّد على أن “الفريق الآخر لا زال متمسّكاً بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية, والمعارضة توصّلت إلى بدعة كلمة التقاطع, وأنا لا أحبذّها, يجب أن يكون هناك توافق 100% على مرشّح المعارضة أياً يكن هذا المرشّح, إنّما لحسابات سياسية شعبوية وخاصة للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وللكتائب اللبنانية, ولكل أطراف المقاطعة كان هناك تقاطع, إنّما ما حصل مسألة متقدّمة أنه تم التوافق على جهاد أزعور”.
وتابع: “إنّما السؤال اليوم, هل سيمح حزب الله باجراء الإنتخابات الرئاسية في 14 الشهر الجاري؟ وبرأيه الورقة البيضاء ستكون سيّدة الموقف, وستعود حليمة إلى عادتها القديمة, وسيعود ترف الوقت والمهازل إلى ساحة النجمة, إلا إذا كان هناك قرار دولي كبير بتمرير إسم ازعور وإنتخابه, وإلا نحن سنذهب إلى الخيار الثالث, ليكون هذا الخيار هو قائد الجيش العماد جوزرف عون”.
وتخوّف العريضي, من أن “يأتي قائد الجيش على خلفية أمنية, 7 أيار جديدة, وربما أكبر منها إذا عطل حزب الله الجلسة أو الثنائي الشيعي, واعتقد ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يتحرّك من موقعه كرئيس حركة أمل وقشق التوأم لحزب الله, وليس كرئيس للمجلس النيابي”.
ورأى أن “ما يحصل اليوم يدّل على أن حزب الله عادة إلى نغمة الإنتخابات السابقة, إمّا ميشال عون رئيساً وإما لا إنتخابات, والآن إما سليمان فرنجية أو روحوا بلطو البحر, لذلك الحل هو بانتخاب قائد الجيش الذي قد يأتي على خلفية امنية لإنقاذ الوضع”.
ورداً على سؤال, أجاب العريضي: “ما جرى مؤخرا من العرض العسكري لحزب الله أو المناورة بعد ذكرى التحرير, وصولاً إلى عودة الحزب القومي إلى السلاح, إضافة إلى أحداث أمنية حصلت مؤخرا, وإلى التحقيقات التي أجرتها الأمم المتحدّة حول مقتل الجندي الإيرلندي واتهام حزب الله, وصولا إلى إشكالات أمنية تقع في اكثر من منطقة, وتكاثر عمليات التهريب من المخدرات والكبتاغون, إضافة إلى خطف المواطن السعودي, هذا كلّه يدل على ان الوضع الأمني غير سليم, وان أمر ما يحضّر إلى إنفجار كبير, ومخابرات الجيش والاجهزة الامنية وتقاطع المعلومات كلّها تدلّ على أن لبنان قد يحصل فيه حدث امني كبير, وعلى خلفيته سيأتي قائد الجيش رئيساً للجمهورية”.
بدأت “البوانتاجات” المتعلقة بالانتخابات الرئاسية تتكثف في الكواليس سيما بعد إعلان القوى المعارضة لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تأييدها للوزير السابق جهاد ازعور، في شكل رسمي في “الويك – اند”. هذه العملية تحصل في الصالونات المغلقة التابعة للفريقين المتنافسين على حد سواء، وهي تُظهر على ما يبدو، تقدّما لأزعور على فرنجية، وفق ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”، وربما لهذا السبب حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بعد 10 ايام من اليوم.
داعمو فرنجية لا يتحدثون كثيرا في الأرقام – ولو ان إعلامهم اقر اليوم بحصول ازعور على 49 صوتا مقابل 32 لأزعور – خلافا لداعمي أزعور، في معطًى يؤشّر الى أريحية الثاني في السباق: فأمس، أكد النائب مارك ضو من دارة النائب ميشال معوض ان أزعور قادر على تأمين 65 صوتا في اي جلسة انتخابية مقبلة. امس ايضا وفي حديث تلفزيوني، قال النائب وضاح صادق: اطراف المعارضة اعلنت سيرها بأزعور وايضا “لبنان القوي” كاملاً من ضمنه “الطاشناق”، وكتلة الاعتدال ليست بعيدة عنّا وأجواء “اللقاء الديمقراطي” واضحة، ومعلوماتي أنه سيصوّت لأزعور، علما ان اذا أعطى وليد جنبلاط هذه الورقة للثنائي سيكون قضى على لبنان”. وأعلن “أننا حتى الآن استطعنا أن نجمع 55 صوتاً لجهاد أزعور وفي الدورة الثانية سنتخطى الـ70 صوتا”… اما منذ ايام، فأكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن أزعور سيحوز أكثر من 65 صوتاً مع أصوات التيار الوطني الحر، مشيرا الى ان مرشح الممانعة لن ينال اكثر من 55 صوتا. كما استبعد أن يلجأ نواب الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الورقة البيضاء “لأن رئيس الحزب وليد جنبلاط هو من سمّاه”.
وبينما موقف “اللقاء الديمقراطي” سيعلن الثلثاء او الخميس كحد أقصى وهو يُسرع الخطى نحو تأييد أزعور، تقول المصادر ان إحصاء الاصوات وتحديد توزّعها في شكل نهائي، امرٌ شبه مستحيل ومعقّد، معتبرة ان اصوات “الاعتدال الوطني” والنواب السنّة المستقلين بالاضافة الى مدى تقيّد نواب “لبنان القوي” بأزعور، سيرجّحان كفّة ازعور او فرنجية، كما ان يجب رصد عدد نواب التغيير الذين سيقترعون لأزعور، علما ان عددا منهم تواصلوا معه في الايام الماضية، ويبدو ان 3 منهم فقط، حسموا موقفهم سلبا منه، بينما 4 لم يحددوا خياراتهم بعد.
وللتذكير، فإن نواب تكتل “الاعتدال الوطني” ومنهم سجيع عطية، كانوا اعلنوا انهم في انتظار التوافق المسيحي على اسم، وها هو قد حصل على المرشح ازعور، فهل سيؤيده التكتل؟ وماذا ايضا عن نواب الطاشناق، الذين مِن المستبعد ان يخالفوا توجهات رئيس مجلس النواب.. هل يُمكن ان يبدّلوا موقفهم في الدورة الثانية مثلا؟
انطلاقا من هذه المعطيات كلّها، حيث بعضُها “ضبابي” وبعضُها واضح، تقول المصادر ان تأكيد فوز هذا او ذاك مستحيل، لافتة الى ان جلسة الانتخاب العتيدة ستشكل اختبارا بالذخيرة الحية وسستُسهم في تحديد أحجام كل فريق.. لكن في حال شعر الثنائي الشيعي ان ازعور سيتفوّق على فرنجية، قد يُكرّر لعبة التصويت بالورقة البيضاء في الدورة الاولى مع تطيير نصاب الدورة الثانية.. إلا اذا، تختم المصادر.