ألا تخاف من أن يُطلق عليك لقب “الطاغي” عندما تتحدث عن الإحباط؟
كلا، لا علاقة للأمر بالاستبداد! أنا لا أتحدث عن الإحباط العاطفي، بل الإحباط المتعلّق بالمتعة الزائدة للولد، وقد لا يفهم الأهل المتساهلون هذا الأمر. إن الإحباط يعني الافتقار والاستياء والانتظار؛ فالولد الذي يتم إحباطه بذكاء لن يسبّب مشاكل عندما يحين موعد خلوده إلى النوم أو للترحيب بشخص ما أو لتناول أطعمة جديدة أو للّعب مع الأولاد الآخرين.
هذا هو الحل للتخفيف من الرغبة المطلقة للعديد من الأولاد؛ لكن الحب والإحباط غير منفصلَين، واستخدام أحدهما دون الآخر سيعيدنا إلى الاستبداد. لا أنكر الإنجازات الإيجابية لعلم النفس بتقدير الحوار مع الولد، لكن يجب ألا ننسى أن نعلّمه كل ما هو حقيقي، لأنه لا يتعلّم ذلك بالفطرة. لقد نسي العديد من العائلات مفهوم الاستياء والمتطلّبات والقيود للتركيز فقط على التواصل وتقييم الولد وحمايته. لهذا السبب، يصبح العديد من الأولاد مغرورين ولا يتحملون المضايقات.
لما الإحباط مهم جدًا في التربية؟
يميل البشر بشكل طبيعي إلى مبدأ اللذة والمتعة والفورية، وكلها بعيدة عن الواقع المقيّد والمحظورات. إن الإحباط ضروري لكي يصبح الولد مستقلًا؛ فالأولاد متطلّبون لدرجة أنهم يؤثّرون على سلطة الكبار ويقمعون كل التسلسل الهرمي ويتّخذون كل القرارات حتّى في مشاهدة البرامج التلفزيونية وتحديد أوقات وجبات الطعام. لذا، يعيد الإحباط السلطة إلى المنزل.ومع ذلك، يجب الحذر من المبالغة: فالإحباط المفرط يعني تدمير رغبة الولد، وعدم الإحباط على الإطلاق يعني تركه في رغبة مطلقة. يجب تشجيع العادات (مثل المساعدة في المنزل)، بحيث لا يعيش الولد بحسب رغباته، ويجب حرمانه من بعض الأمور التي تعطيه الرضا الفوري (مثل التلفاز والألعاب الإلكترونية، إلخ) لتعليمه الجهد والمثابرة.
لماذا يصعب على الأهل رؤية ولدهم محبطًا؟
لطالما قيل لهم إن الولد المحبَط هو ولد مريض، في حين أن الأولاد الذين أصيبوا بالإحباط بحكمة هم الذين سيكونون قادرين على الصمود في وجه التجارب التي يمرون بها. لا يستطيع بعض الأولاد التركيز أو الإبداع أو الحلم، بل يستغلّون أي عمل ويوقفونه بمجرد أن يصبح صعبًا.انغمست عائلاتنا على المدى القصير في التلفاز والإنترنت والألعاب الإلكترونية وكل أنواع الإدمان، فأضعف استهلاكنا لها تحملنا للإحباط، وأصبحت الحياة أصعب (بطالة وطلاق، إلخ)؛ لكن على الرغم من كل ذلك، نرغب بطفولة تغمرها العلاقات والحب والفرح.
هل هو بمثابة جهد من الوالدَين على نفسَيهما؟
بالتأكيد! إنه صراع شخصي لأن لا أحد يحب أن يرى ولده محبطًا، لكن الناس يخلطون بين الولد التعيس والولد المحبط. تم إضعاف سلطة العديد من الأهل بسبب القراءات النفسية التي أخبرتهم أن المشكلة تكمن في علاقاتهم مع أولادهم؛ أما آخرون، فيرفضون أن يكونوا متطلّبين لأن حياتهم صعبة ويريدون تجنّب الخلافات مع أولادهم. إذا كنا متطلّبين فيما يتعلّق بنظافة الولد، فيمكننا أن نكون كذلك في المجالات الأخرى، مثل اللّعب والطعام ووتيرة الحياة.
أحيانًا، يشعر الأهل اليقاظى بالإحباط. ماذا تقول لهم؟
يشعرون بالإحباط لأن ولدهم يقاوم. بالطبع، هو لن يقول أبدًا: “شكرًا يا أمي وأبي لأنكما تحبطاني؛ هذا جيد لأنه يبني شخصيتي!”، بل سيقول: “أريد سماع قصة أخرى ومشاهدة المزيد من الرسوم المتحركة واللّعب أكثر”.إن الواقع محبط! منذ الأيام الأولى مع المربية أو في الحضانة أو في ملعب المدرسة، يواجه الولد الحياة: فالولد الأكبر سنًا سيأخذ لعبة الأصغر منه، والولد الموهوب في العمل اليدوي سيحصل على مجاملات أكثر. لذا، إن أحد مفاتيح تسليح الولد ومنحه الثقة بنفسه هو توعيته على نقاط ضعفه وحسناته.
كيف ينمو الولد الذي لا يتحمّل الإحباط؟
يمكن لعدم القدرة على التحمل أن تتضاعف، فيصبح الولد أكثر ضعفًا. أنا لا أوافق رأي علماء النفس حول أزمة المراهقة الشهيرة، لكن أوافق على مرور المراهقين بمرحلة صعبة مرتبطة بسن البلوغ وبأول أحزان في حياتهم.يميل الولد المدلّل إلى الاكتئاب؛ فعندما يصل إلى الصف الأول أو الثاني ثانوي، تقدّم له المدرسة هدايا أقلّ ويتعيّن عليه العمل على دراسته أكثر من قبل، والولد الذي كان دائمًا مركزًا للاهتمام ومدلّلًا من والدَيه، لن يفهم سبب تصرّف أستاذه معه بطريقة مختلفة. أما الولد الذي كان مثابرًا على عزف البيانو بدلاً من تغيير الآلة الموسيقية كل ستة أشهر، فسيكافَأ عندما يبلغ سن الـ16 لأنه عاش كل المراحل اللازمة. ولا داعي للتساؤل عن سبب لجوء بعض المراهقين إلى العالم الافتراضي؛ فالألعاب الالكترونية والإدمان مثل المخدرات، هما طريقتان للهروب من عالم صعب!
كيف نتجنّب إحزان الولد إذا أحبطناه بطريقة غير مناسبة؟
يجب احترام الولد، لأنه لن يكون قادرًا على فهم القيود إذا لم يتم تعليمه إياها في جَو محبّ ومحفّز ومحترم. يجب أن تظهر قيود الوالدَين في تفاصيل الحياة اليومية، مثل وضع الطبق في غسالة الصحون وعدم نشر الألعاب في كل أنحاء المنزل، إلخ. إذًا، تكمن المشكلة في السلطة التي تخلّى عنها الوالدان.
ما هي السلطة الصالحة؟ وكيف نتجنّب الاستبداد والتساهل والثرثرة؟
يجب الامتناع عن التدخل تحت تأثير العاطفة، لألّا يكون الغضب غير متناسب والعقوبات عقيمة وغير مناسبة للوضع. ويتذكّر بعض الأهل طفولتهم، فيخشون تطبيق النمط الذي عاشوه: “كان والدي متسلطًا، لذا لن أرفع صوتي أبدًا!”. إذًا، يمكن فرض الضوابط من خلال التصرّف بحزم منذ البداية.هذه نظريتي عن السلطة في مراحلها الأولى: أنا أحذّر وأمنع الولد من تخطّي الحدود وأتوقّع انفعاله عبر إحباطه بطرق بسيطة، كالتالي: في الصباح، يضع طبقه في المغسلة ويربط شريط حذائه بمفرده. يمكن طلب هذه الأمور من الولد مع الابتعاد عن الثرثرة الهادفة إلى شرحها باستمرار؛ فهو لا يتمتّع بالاستقلالية ليقول: “أنا أعرف متى يجب أن أخلد إلى النوم وأن أقوم بواجباتي المنزلية”.