“أَلَيْسَ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا يَتَحَوَّلُ لُبْنَانُ بُسْتَانًا، وَالْبُسْتَانُ يُحْسَبُ وَعْرًا؟” (إش29: 17).
“لقد دوت رسالة الرجاء التي أعلنها النبي أشعيا في كلام قداسة البابا فرنسيس في مقابلة الأربعاء العامة في الفاتيكان، حيث قال قداسته: “إني أشجع جميع اللبنانيين على الثبات في رجائهم واستعادة القوة والطاقات اللازمة للانطلاق مجددًا”؛ وأضاف: “لذا أود أن أدعو الجميع إلى عيش يوم عالمي للصلاة والصوم من أجل لبنان، يوم الجمعة المقبل في 4 أيلول.”
إنه لمن دواعي فرحي أن أكون معكم اليوم على أرض لبنان المباركة، لأعبر لكم عن قرب الأب الأقدس منكم، وعن تضامنه معكم، ومن خلاله أعبر عن قرب الكنيسة جمعاء وتضامنها.
لقد تألم لبنان كثيرًا وهذه السنة كانت مسرحا لمآسي كثيرة: ضربت الشعب اللبناني الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحادة التي ما زالت تعصف بالبلد، وأزمة وباء كورونا التي زادت الأمور سوءًا، وأخيرًا الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت الذي دمر عاصمة لبنان وولد مآسي مهولة. من اليقين أن اللبنانيين يعيشون حالة إحباط. هم رازحون تحت أثقالهم، منهكون ومتعبون.
لكن اللبنانيين ليسوا وحيدين، إننا جميعنا نرافقهم روحيًّا ومعنويًّا وماديًّا، منذ سنة وبخاصة منذ الشهر الفائت، وقد ذكر قداسة البابا فرنسيس لبنان مرات كثيرة، وعبّر عن قربه من خلال أعمال تضامن، ولقد دعا قداسته المجتمع الدولي إلى مساعدة لبنان وإلى العمل على حل مشاكله، وإلى التفتيش عن خير هذا الشعب العظيم، وهذا البلد الذي وصفه القديس يوحنا بولس الثاني بالبلد الرسالة إلى الغرب والشرق. ولقد عبّر الكثير من البلدان أيضًا عن قربهم من خلال مساعدات حسية والتفتيش عن حل دائم في لبنان.
يستطيع اللبنانيون الاعتماد على أصدقائهم، ولكن هؤلاء يتيقنون بإعجاب كم أن اللبنانيين يعتمدون على أنفسهم لتخطي الصعوبات الجمة التي يواجهونها. إن اللبنانيين مثل بطرس في إنجيل اليوم. لقد كان متعبًا ويائسًا، بعد ما غسل شباكه لأنه لم يصطد سمكا، على رغم تعب ليل بكامله. وها إن الرب يغير واقع الحال بكلمة منه. هو يطلب من بطرس أن يرجو حيث لا رجاء. وبعد ما اعترض بطرس عاد فأطاع الرب وقال له: “لأجل كلمتك ألقي الشبكة… ولما فعل ذلك هو ورفاقه، ضبطوا سمكًا كثيرًا جدًّا” (لو5: 5-6).
إنّها كلمة الرب التي غيرت واقع بطرس. هي كلمة الرب عينها التي تدعو اليوم اللبنانيين إلى الرجاء حيث لا رجاء، وإلى السير إلى الأمام بكرامة وعزة. سيتبدل الواقع.
إن كلمة الرب تتوجه إلى اللبنانيين من خلال إيمانهم، ومن خلال سيدة لبنان، ومن خلال مار شربل وجميع قديسي لبنان. وإن الرب يرافق اللبنانيين أيضًا، من خلال روح الثبات التي شهدوا لها عبر العصور. تمتثل أمام بنات هذه الأرض وأبنائها أسباب كثيرة لتجديد الرجاء ولتخطي أي عائق يعترضهم، على طريق المستقبل الزاهر والأفضل.
إن اللبنانيين سيسلكون معًا جميعًا هذا الطريق، سيعيدون بناء بلدهم بمساعدة الأصدقاء وبروح التفاهم والحوار والعيش المشترك الذي طالما ميزهم. إن جميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم، هم على موعد جديد مع التضامن والوحدة الوطنية، من أجل خير بلد الأرز الجميل.
إن إعادة إعمار لبنان لم تتم فقط على المستوى المادي، فبيروت أم الشرائع ستولد مجددًا من الرماد، إذ تشهد أيضًا على مقاربة جديدة لإدارة الشؤون العامة، وكلنا أمل في أن المجتمع اللبناني سيعتمد أكثر فأكثر على الحقوق والواجبات والشفافية والمسؤولية الجماعية وخدمة الخير العام.
من هذا المزار الجميل، الموضوع على تلة هي من أجمل تلال العالم، حيث العذراء مريم سيدة لبنان تسهر على كل لبنان، وتنظر إلى بيروت فيما الدموع تملأ عينيها، وأود أن أختم كلمتي بالعودة إلى كلمات الأب الأقدس، في المقابلة العامة: “أطلب منكم الآن أن نعهد بمخاوفنا وآمالنا إلى مريم سيدة حريصا، ولتكن هي سندًا لجميع الذين يبكون أحباءهم، ولتعطي الشجاعة لكل من فقد منزله، وفقد معه جزءًا من حياته، ولتتشفع أمام الرب يسوع كي تزهر أرض الأرز مجددًا، وتنشر رائحة العيش معًا في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط“. آمين.