نور الهدى المثلوثي*
في العشرين من سبتمبر سنة 2017 نشرت منظمة الصحة العالمية مقالا تؤكد فيه صحة خبر النقص الفادح في المضادات الحيوية، و ليس ذلك بسبب قلة الإمكانيات المادية التي تحول دون تصنيعها، بل قدرة البكتيريا على التأقلم مع هذه الأدوية، التي تصبح فيما بعد غير ضارة بالنسبة لها وبالتالي غير نافعة لنا [1].
وقد تكون هذه المقاومة طبيعية أو مكتسبة إما من خلال تأقلم البكتيريا مع المضادات الحيوية – نتيجة سوء استخدام أو الإفراط في استعمال هذه الأدوية- و آليات أخرى سيتم التطرق إليها في هذا المقال.
الطفرات الجينية
في حين أن الطفرات / التحويرات الجينية في الحيوانات و النباتات قد تطلب عشرات من السنين ليظهر تأثيرها نظرا لأن سرعة التكاثر لديهم تقاس بالسنوات بالإضافة إلى تعقيد معلوماتهم الوراثية التي تقلص من قدرة الطفرات على التأقلم مع التغييرات السريعة للبيئة المحيطة؛ فإن الطفرات لدى البكتيريا لا تتطلب سوى ساعات حتى ينعكس تأثيرها على النمط الظاهري لملايين الخلايا المتأتية من نفس الخلية الأم [2].
في ظل تغييرات البيئة المحيطة، إذا كان مجرد التحكم في التعبير عن بعض الجينات التي تمتلكها الخلية غير كاف لتأقلمها، فان خيارها الوحيد عندئذ سيكون طفرة جينية تكسبها خاصية جديدة تمكنها من التأقلم مع متغيرات المحيط. بالنسبة للبكتيريا فإن الطفرات التلقائية تكون موجود بنسبة ضئيلة، و قد تكون تلك الطفرة نافعة (تكسبها خاصية مقاومة المضادات الحيوية على سبيل المثال) أو ضارة ( قد تتسبب أحيانا في موت الخلية إذا ما أدت إلى فقدان جين وظيفي) أو دون أي فائدة تذكر، رغم ذلك فان الطفرات الجينية تعد واحدة من أهم آليات اكتساب خاصيات جديدة تمكنها من التأقلم على العيش في محيط متغير[3].
البلازميد و العاثيات
تطور البكتيريا لا يعود سببه فقط للطفرات الجينية، بل قد يتسارع نسقه من خلال قدرتهم على التعبير عن جينات تم الحصول عليها من بكتيريا أخرى. قبل أن نتحدث عن آليات انتقال المعلومات الجينية بين البكتيريا وجب علينا أولا أن نتعرف على “البلازميد” و “العاثيات”.
(أ) البلازميد: البلازميدات هي وحدات دائرية من الحمض النووي (دي أن إي) مستقلة عن الكروموزوم تتواجد لدى البكتيريا. الجينات الحاضرة على تلك الوحدات تستطيع تحديد الوظائف القادرة على التأثير على البكتيريا الحاملة. هذه الجينات عادة لا تكون ضرورية إلا إذا تواجدت البكتيريا في محيط خاص يتسبب في “وضع ضغط” ما يستوجب التعبير عن جينات خاصيات ضارة إما لتدافع بها عن نفسها أو لتتمكن من التكاثر في محيط يهدد سلامتها (يحتوي على مضادات حيوية مثلا) . قد لا تحمل الخلية البكتيرية أي بلازميد كما يمكنها أيضا أن تحتوي على العديد منه، وتستطيع أغلبية هذه البلازميدات التنقل من بكتيريا إلى أخرى من خلال عملية تسمى الاقتران[4].
عملية تنقل البلازميد تكون ممكنة إذا تمت بين سلالات متقاربة من البكتيريا، و قد تحدث استثناءات تمكن تلك الوحدات الدائرية الصغيرة من التنقل بين سلالات بكتيرية مختلفة و متباعدة. بالنسبة لعملية النقل البلازميدي المتبوع باكتساب خاصية مقاومة المضادات الحيوية، يشترط أن يحمل البلازميد المعني بالنقل عنصرا يسمى ” عنصر ار” المسؤول عن مد البكتيريا المتقبلة بخاصية مقاومة مضاد حيوي معين[5].
إذا ما كان للخلية البكتيرية الجين المسؤول عن المقاومة، تبدأ في مقاومة المضادات الحيوية بأشكال عدة نذكر منها [2]:
– صنع أنزيمات تدمر المضاد الحيوي
– إنتاج بروتينات تقوم بإتلاف تركيبة غلاف البكتيريا بطريقة يصعب معها دخول المضاد الحيوي داخل الخلية
– تتسبب بعض البروتينات في تغيير العناصر التي يتعرف عليها المضاد الحيوي وبالتالي يفقد هذا الأخير قدرته على التأثير في الخلية ما يعني قدرة البكتيريا على مقاومته.
يمكن للخلية البكتيرية الواحدة أن تقاوم مضادات حيوية عديدة إذا ما كانت تحمل بلازميد يحتوي على عدة عناصر ‘ار’، و تمثل مثل هذه الخلايا مشكلة طبية إذ يصعب معالجتها بغياب مضاد حيوي قادر على محاربتها و التخلص منها، و هو ما يفسر خطورة الإصابة بمثل هذا النوع من البكتيريا.
(ب) العاثيات (فيروسات تغزو البكتيريا): هي طفيليات لا يمكنها أن تتوسع إلا داخل خلية بكتيرية حاملة . يمكن للحمض النووي الذي تحمله العاثيات بالاندماج في الحمض النووي للبكتيريا المضيفة بما يحمله من جينات قد تساهم في اكتساب خاصية مقاومة المضادات الحيوية[6].
التبادل الجيني بين البكتيريا
يتم اعتبار البلازميد و العاثيات عناصر مهمة لإتمام عملية التبادل الجيني بين البكتيريا، فإلى جانب الطفرات الجينية تستطيع البكتيريا الحصول على حمض نووي من بكتيريا أخرى بثلاث آليات مختلفة: التحويل، الاقتران والتنبيغ.
– التحويل : تم اكتشاف هذه الآلية سنة 1944 حينما اكتسبت بكتيريا ‘ستربتوكوكيس بنوموني’ خاصية ضارة بعد أن تم تعريضها لحمض نووي حر (خارج الخلية) لبكتيريا أخرى ضارة في حين أنها كانت في البداية غير ضارة . كل البكتيريا قابلة للتحويل إذا ما تعرضت لحمض نووي حر، شرط اكتسابها ميزة “كفاءة التحويل” والتي تميزها عن غيرها بتركيبة غلاف خلوي مميز يسمح بمرور جزيئات الحمض النووي. وجب الذكر أن تدخلا خارجيا (تدخل بشري) يمكنه منح البكتيريا صفة ‘كفاءة التحويل’ ليتم بذلك عرضها أمام وحدة جينية (تساهم في مد البكتيريا المحولة بخاصيات جديدة)[7].
* الاقتران : تتم عملية الاقتران بين خليتين بكتيريتين من خلال البلازميد. البكتيريا الحاملة لبلازميد تسمى “مانحة” أما تلك التي تستقبل البلازميد فتسمى “المتقبلة”. عملية الاقتران تسمح بعبور البلازميد من البكتيريا المانحة للبكتيريا المتقبلة و بالتالي تمكن هذه الاخيرة من اكتساب خاصيات جديدة كأن تصبح ضارة أو قادرة على مقاومة المضادات الحيوية[8].
* التنبيغ: تتم عملية نقل الجينات من بكتيريا إلى أخرى بفضل العاثيات. يتم استغلال هذه الآلية عادة من قبل العلماء لإدخال جين أجنبي بشكل ثابت في جينوم الخلية المضيفة[9].
بالنظر إلى كل هذه الوسائل التي تسمح للبكتيريا أن تسبقنا في كل مرة نعتقد أننا تمكنا من التغلب عليها، تصبح عملية صنع المضادات الحيوية مكلفة و متعبة ولا يتعدى كونها مشيا في دائرة مغلقة، كلما اعتقدت أنك بلغت نقطة النهاية إلا ووجدت انك مجددا في نقطة الانطلاق.
* طالبة دكتوراة في البيولوجيا. متحصلة على ماجستير في البيتوكنولوجيا الميكروبية و اجازة في علوم الحياة و الارض.
المصادر:
1 – https://www.who.int/news-room/detail/20-09-2017-the-world-is-running-out-of-antibiotics-who-report-confirms
2 -https://books.google.tn/books/about/Microbiologie.html?id=ggSIswEACAAJ&source=kp_book_description&redir_esc=y
3 – http://www.chups.jussieu.fr/polys/bacterio/bacterio/POLY.Chp.2.html
4 – https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1002/9780470015902.a0000468.pub2
5 – https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/4876865/
6 – https://health.ucsd.edu/news/releases/Pages/2017-04-25-novel-phage-therapy-saves-patient-with-multidrug-resistant-bacterial-infection.aspx
7 – https://scholar.google.fr/scholar?hl=fr&as_sdt=0,5&q=Expérience+de+Avery,+MacLeod+et+McCarty+1944#d=gs_qabs&u=%23p%3DsmldtijCpdcJ
8 – https://books.google.fr/books?id=GiM2DwAAQBAJ&pg=PA389&dq=#v=onepage&q&f=false
9 – https://meshb.nlm.nih.gov/record/ui?name=Transduction,%20Genetic