د. اسماعيل الشدلي*
شَكلت الجائحة المستَجَدة ” كوفيد 19″ و المُرتبطَة بالفيروس التاجي الجديد “سارس كوف-2” أزمة صحية كبيرة، بتزايد عدد المصابين و عدد الوفيات، مع تداعيات اقتصادية و اجتماعية قوية. على الصعيد العالمي، الى اليوم ( 8 شتنبر 2020) يوجد أكثر من 27,5 مليون مصابة و مصاب وأكثر من 900 الف حالة وفاة في 218 قُطر او دولة [1].
مع الانتشار السريع للفيروس التاجي، كل الدول حول العالم تصارع الوقت في مكافحة هذا الفيروس الجديد. حتى الأن، لا يوجد لقاح او علاج خَاص و محَدَّد ثَبُت علميا أنه يمكن أن يعالج الوباء الناجم عن فيروس “سَارس كوف-2”. ضرورة التصَرف بسرعة تُبَرر إعَادة استخدام أدوية موجودة سَابقا، والتي قد يقدم بعضها الأمل والمسَاعدة على احتواء جائحة “كوفيد 19”.الا أنه أحرز تَقدُّم كبير، خصوصا مع دخول بعض تجارب تطوير اللقاحات لمراحلها الحاسمة بعد نتائج أولية مشجعة لكبح انتشار الفيروس التاجي و وضع حد لأسوأ أزمة صحية يعيشها العالم. الانتاج العلمي العالمي يتَوالى يوما بعد يوم و المعارف و المعطيات حول خصائص هذا الفيروس و المرض تتغير بسرعة كبيرة. خلال أشهر فقط (من بداية شهر يناير الى بداية شهر شتنبر)، من خلال خدمة “كولابوفيد” [2]، تمت فهرسة أكثر من 38 ألف مقال علمي او أوراق متعلقة بسارس كوف-2 او كوفيد-19 في مواقع :
في السنوات الأخيرة ازدادت المعطيات العلمية حول فيتامين ‘د’ بشكل مَلحوظ و تَقدمت المعَارف الى حَد كبير مَكَّنَ من فهم، إلى جانب دوره الرئيسي “التقليدي” في استقلاب الكالسيوم و الفوسفور وعلى صحة العظام، هو هرمون له تأثيرات أخرى على “الصحة المتكاملة”. بالتأكيد، فتَواجُد مستقبلات فيتامين ‘د’، المعروفة أيضا بإختصار DRV، في معظم الأنسجة (الجهاز المناعي، الرئة، الكلى، الأمعاء، الدماغ،… الخ)، يُفَسر العديد من التأثيرات المحتملة “الغير التقليدية” الإضافية لفيتامين ‘د’ على وظيفة الأنسجة أو الأعضاء: مضاد للالتهابات، مضاد للعَدوى، مضاد للسرطان، واقي من امراض القلب والأوعية الدموية،… .
حاليًا أكثر من 900 مورثة متعلقة بتأثيرات مركب “فيتامين ‘د’ / مستقبلات RDV”، بعضها يساهم في ظهور أمراض المناعة، السرطان، السكري، ارتفاع ضغط الدم،… الخ. و بالتالي، ليس من الغريب أن تظهر العديد من علاقات ارتباط بين نقص في مستويات فيتامين ‘د’ وعدد كبير من هده الأمراض.
في مقال نُشر حديثا لتاقارورت و الشدلي [3]، بحث الكاتبان المعَارف الحَالية و المحَيّنة حول فيتامين ‘د’ وتأثيره على خطر التهابات الجهاز الرئوي الحادة، خصوصا المتعلقة بأوبئة الأنفلونزا وجائحة كوفيد 19. خلُصَ المقال الى أن نتائج العديد من الدراسات تدعَم فرضية الدور الوقائي لفيتامين ‘د’ ضد التهابات الجهاز الرئوي الحادة، و أن النقص في مستويات الهرمون في الجسم يمكن أن يكون عامل خطر لحُدوث الإصَابة بالفيروس التاجي و/أو لشدة المرض الذي يسَببه “كوفيد 19”.
تقريبًا جميع الخلايا المناعية تحتوي على مستقبلات فيتامين ‘د’، مما يدُل على تَجاوب الجهاز المناعي مع فيتامين ‘د’. في الجهاز المناعي، هناك خاصيتان معروفتان: من جهة، فيتامين ‘د’ يأثر على تكاثر الخلايا اللمفاوية T، ومن جهة أخرى، يمكن للبلعُميات الكبيرة أن تصنع فيتامين ‘د’. يبدو أن هرمون فيتامين ‘د’ يقوم بتعزيز وتنشيط استجابة المناعة الطبيعية و المكتسبة، خطا الدفاع الأول والثاني ضد العوامل المعدية. هذا ما أدى بعدة فرق بحثية عبر العالم إلى دراسَة العلاقة بين فيتامين ‘د’ والتهابات الجهاز الرئوي الحادة. العديد من النتائج الحديثة تشير الى وجود علاقات تَرابُط بين نقص في مستويات فيتامين ‘د’ و قَابلية الجسم للعدوى الفيروسية الحادة من جهة، وتطَور بعض أنواع العدوى المزمنة لعَواقب سيئة من جهة أخرى.
وبالتالي، بفضل خصائصه المضادة للعدوى، قد يشَكل فيتامين ‘د’ بديلاً مثيرًا للاهتمام كاستراتيجية ذات هدف وقائي وعلاجي مضاد للفيروس. تدبير وباء كوفيد 19 يحَفز على قياس مستويات فيتامين ‘د’ و تأمين عدم التعرض لنقص هذا الهرمون في الجسم، خصوصا بالنسبة للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالمرض كالأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة، كبار السن، مرضى السكري، الأشخاص الذين يعانون من الربو، الأشخاص الذين يعانون من البدانة،… إلخ.
على عكس الفيتامينات الأخرى، تناول الاطعمة لا يوفر سوى نسبة صغيرة من الكمية التي يحتاجها الجسم من فيتامين ‘د’، وأكثر من 90٪ من احتياجات الجسم يتم توفيرها من خلال التعرض المعتاد للشمس. استعمال مكملات فيتامين ‘د’، الغير مكلفة و الآمنة و بدون تأثير ضار، تحت إشراف طبي، يستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار. بالفعل، نقص فيتامين ‘د’ شائع في معظم دول العالم و نسبيًا غير معروف. تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم معنيون بنقص فيتامين ‘د’، و يهم جميع الفئات العمرية. بل أن من 50٪ إلى 80٪ من كبار السن يعانون من هذا النقص، مما يشكل مشكلة صحية عامة رئيسية لما لدلك من عواقب صحية كبيرة.
فيتامين ‘د’ يستحق مكانة هامة في حماية الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالتهابات الجهاز الرئوي الحادة. وبالتالي، التعرض للشمس، بالإضافة للنظام الغذائي المتوازن والتمارين البدنية، سيكون له تأثير وقائي على الصحة البدنية والنفسية خلال هذه الأزمة ( كوفيد-19). لكن، يجب إجراء تجارب على نطاق واسع لتحديد التأثير الوقائي لفيتامين ‘د’ بكل دقة من خلال دراسات التدخل، ومن أجل تحديد إلى أي مدى يمكن أن يمر تدبير الجانحة عبر تدبير مشكل نقص فيتامين ‘د’.
* استاد التعليم العالي مؤهل بالمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة بأكادير، المغرب
المراجع
[1] COVID-19 par pays, cas, décès, guérisions/ En direct ; https://www.coronavirus-statistiques.com/stats-globale/covid-19-par-pays-nombre-de-cas/. 2020 (consulté le 16/08/2020)
[2] Explore COVID-19 publications. https://www.collabovid.org, 2020 (consulté le 08/09/2020).
[3]Taqarort Naima, Chadli Smail. Vitamine D et risque des infections respiratoires aigües : Grippe et COVID-19. Nutrition Clinique et Métabolisme 2020, in press ; https://doi.org/10.1016/j.nupar.2020.05.003.