سرى وقف “إطلاق النار” الانتخابي في لبنان منذ منتصف الليل الماضي، بعد لجوء معظم المرشحين وقادة الأحزاب لتفريغ كل ما في جعبتهم من مواقف نارية واتهامات متبادلة و”مكنونات في الصدور”.
ومع دخول البلاد مرحلة “الصمت الانتخابي” التي بدأت منتصف الليل، يحظر على المرشحين القيام بالدعاية الانتخابية حتى انتهاء عمليات الاقتراع، ويحظر على جميع وسائل الإعلام بث أي إعلان أو دعاية أو نداء انتخابي.
واستغلّ المرشحون فترة ما قبل الصمت حتى آخر قطرة يمكن أن يستفيدوا منها للإطلالة الإعلامية، قبل بدءِ الصوم عن الكلام، وقدّموا في الساعات الماضية عرضا مسرحيا متواصلا تنقّلوا فيه بين شاشة وأخرى، حاملين معهم سلّة الوعود التي يبدو أنّها لا تنضب.
وفي هذه الاستراحة التي تمتدّ لساعات سيَستعدّ المواطن اللبناني لملاقاة أحدِ الانتخابات، والاختلاءِ بينه وبين صندوق الاقتراع الذي سيقول فيه كلمتَه، ويَمنح صوته لمن يجده أهلاً لتمثيله في البرلمان للسنوات الأربع المقبلة.
وبعيدا عن لغة الأرقام والاستطلاعات والإحصاءات المتباينة يبقى الأساس هو تمرير الاستحقاق الانتخابي الذي تأخر لأكثر من 5 سنوات، بعدما جرى مرارا وتكرارا تأجيل إجراء الانتخابات التي كان يفترض إجراؤها عام 2013.
وتفتح صناديق الاقتراع غدا الأحد أبوابها أمام نحو 3663518 ناخباً مسجلاً على لوائح وزارة الداخلية اللبنانية، منهم 353414 ناخباً في دائرة بيروت الثانية التي تشهد أم المعارك الانتخابية.
وتبقى العبرة في اليوم التالي للانتخابات، حيث يأمل اللبنانيون بأن يستفيقوا على صورة نيابية جديدة، ينبثق عنها شكل السلطة الجديدة التي ستدير الدولة، وإن كانت كل المؤشرات تدلّ على عدم حصول تبدلات جذرية في الصورة السياسية والحكومية للبلاد.
واللافت أن 83 سيدة لبنانية يخضن غداً الأحد الانتخابات النيابية إلى جانب مئات من المرشحين الذكور (مجموع المرشحين والمرشحات 587 يتنافسون على 128 مقعدا نيابيا)، لكن أصواتهن خلال الحملات الانتخابية لم تكن مسموعة، عكس أصوات الذكور الذين ملأوا الشاشات والساحات بصراخهم.
معظم المرشحات نزلن على لوائح مختلطة مع الذكور، وهناك لائحة وحيدة غير مكتملة تضم نساء فقط وتخوض الانتخابات في أكثر المناطق فقراً ولا تزال تحكمها التقاليد المحافظة، وهي عكار الشمالية.
وتشهد الانتخابات ترشح 21 امرأة من الطائفة السنية في مدن رئيسة كبيروت وطرابلس وصيدا وصولاً إلى البقاع، و25 امرأة من الطائفة المارونية في بيروت وجبل لبنان والشمال وزحلة وراشيا بقاعاً وجزين جنوباً، و5 نساء من الطائفة الدرزية، وهي من أكثر الطوائف محافظة في جبل لبنان. واللافت ترشح نساء من طوائف تصنّف في خانة الأقليات. فهناك مرشحة علوية في طرابلس ومرشحة إنجيلية ومرشحتان من أقليات أخرى.
وترشحت 9 نساء شيعيات على لوائح غير محسوبة على لوائح “حزب الله” وحركة “أمل”، والاستثناء الوحيد في الأخيرة هو الوزيرة عناية عز الدين، علماً أن “حزب الله” يرفض ترشيح نساء للانتخابات.
كشف مصدر قريب من عين التينة ان الدعوة التي حددها صباحا رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقد جلسة انتخاب الرئيس الاربعاء المقبل عند الحادية عشرة، لا ترتبط بموقف المعارضة واعلانها عن دعم ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، بل هي التزاما بما اعلنه بري منذ عدة اسابيع انه سيدعو الى جلسة قبل 15 الجاري.
واوضح المصدر، عبر وكالة “أخبار اليوم”، ان بري حين تحدث عن موعد 15 حزيران كان يعول على انضاج التسوية والتفاهم بين جميع اللبنانيين من اجل انقاذ البلد، مشددا على ان لبنان لا يمكن ان يحكم بالتحدي، وبالتالي من دون تسوية لا يمكن الوصول الى ملء الفراغ وانجاز كافة الاستحقاقات اللاحقة.
وذكر المصدر نفسه ان بري لطالما سعى الى التعاون مع مختلف القوى في الداخل والخارج، بالتالي للحؤول دون خسارة اي فريق، فعندها يكون البلد وحده الرابح من خلال توافق وطني عام.
وفي سياق متصل، اوضح المصدر ان نواب كتلتي التحرير والتنمية والوفاء للمقاومة وحلفاءهما يدرسون الخيارات المتاحة لجلسة 14 الجاري، دون ان يستبعد اللجوء الى الورقة البيضاء مرة اخرى، على اعتبار ان طرح ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية كان ضمن تسوية انطلاقا من المبادرة الفرنسية، وليس لزجه في حلبة الصراعات!
رأى المحلل السياسي وجدي العريضي, أن “الوضع الإقتصادي والإجتماعي في البلد لم يعد يحتمل لأي ترف من الوقت, وخصوصا أن هناك تحذيرات من إنهيار القطاعين التربوي والطبي بشكل غير مسبوق, لذا كان لا بد من اللبنانيين أن يساعدوا انفسهم”.
وأكد العريضي في حديث إلى “ليبانون ديبايت” أن “السعودية جاهزة لأي مساعدة للبلد وعدم التخلي عنه, وبالتالي المشاركة في أي مؤتمر للدول المانحة ومساعدته, ولكن ان يكون هناك رئيس توافقي دون التدخّل بأي أسماء”.
ولفت في حديثه إلى أن “البطريرك مار بشارة بطرس تبلّغ خلال لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن فرنسا لديها أسماء حتى وإن كانت داعمة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية”.
وشدّد على أن “الفريق الآخر لا زال متمسّكاً بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية, والمعارضة توصّلت إلى بدعة كلمة التقاطع, وأنا لا أحبذّها, يجب أن يكون هناك توافق 100% على مرشّح المعارضة أياً يكن هذا المرشّح, إنّما لحسابات سياسية شعبوية وخاصة للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وللكتائب اللبنانية, ولكل أطراف المقاطعة كان هناك تقاطع, إنّما ما حصل مسألة متقدّمة أنه تم التوافق على جهاد أزعور”.
وتابع: “إنّما السؤال اليوم, هل سيمح حزب الله باجراء الإنتخابات الرئاسية في 14 الشهر الجاري؟ وبرأيه الورقة البيضاء ستكون سيّدة الموقف, وستعود حليمة إلى عادتها القديمة, وسيعود ترف الوقت والمهازل إلى ساحة النجمة, إلا إذا كان هناك قرار دولي كبير بتمرير إسم ازعور وإنتخابه, وإلا نحن سنذهب إلى الخيار الثالث, ليكون هذا الخيار هو قائد الجيش العماد جوزرف عون”.
وتخوّف العريضي, من أن “يأتي قائد الجيش على خلفية أمنية, 7 أيار جديدة, وربما أكبر منها إذا عطل حزب الله الجلسة أو الثنائي الشيعي, واعتقد ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يتحرّك من موقعه كرئيس حركة أمل وقشق التوأم لحزب الله, وليس كرئيس للمجلس النيابي”.
ورأى أن “ما يحصل اليوم يدّل على أن حزب الله عادة إلى نغمة الإنتخابات السابقة, إمّا ميشال عون رئيساً وإما لا إنتخابات, والآن إما سليمان فرنجية أو روحوا بلطو البحر, لذلك الحل هو بانتخاب قائد الجيش الذي قد يأتي على خلفية امنية لإنقاذ الوضع”.
ورداً على سؤال, أجاب العريضي: “ما جرى مؤخرا من العرض العسكري لحزب الله أو المناورة بعد ذكرى التحرير, وصولاً إلى عودة الحزب القومي إلى السلاح, إضافة إلى أحداث أمنية حصلت مؤخرا, وإلى التحقيقات التي أجرتها الأمم المتحدّة حول مقتل الجندي الإيرلندي واتهام حزب الله, وصولا إلى إشكالات أمنية تقع في اكثر من منطقة, وتكاثر عمليات التهريب من المخدرات والكبتاغون, إضافة إلى خطف المواطن السعودي, هذا كلّه يدل على ان الوضع الأمني غير سليم, وان أمر ما يحضّر إلى إنفجار كبير, ومخابرات الجيش والاجهزة الامنية وتقاطع المعلومات كلّها تدلّ على أن لبنان قد يحصل فيه حدث امني كبير, وعلى خلفيته سيأتي قائد الجيش رئيساً للجمهورية”.
بدأت “البوانتاجات” المتعلقة بالانتخابات الرئاسية تتكثف في الكواليس سيما بعد إعلان القوى المعارضة لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تأييدها للوزير السابق جهاد ازعور، في شكل رسمي في “الويك – اند”. هذه العملية تحصل في الصالونات المغلقة التابعة للفريقين المتنافسين على حد سواء، وهي تُظهر على ما يبدو، تقدّما لأزعور على فرنجية، وفق ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”، وربما لهذا السبب حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بعد 10 ايام من اليوم.
داعمو فرنجية لا يتحدثون كثيرا في الأرقام – ولو ان إعلامهم اقر اليوم بحصول ازعور على 49 صوتا مقابل 32 لأزعور – خلافا لداعمي أزعور، في معطًى يؤشّر الى أريحية الثاني في السباق: فأمس، أكد النائب مارك ضو من دارة النائب ميشال معوض ان أزعور قادر على تأمين 65 صوتا في اي جلسة انتخابية مقبلة. امس ايضا وفي حديث تلفزيوني، قال النائب وضاح صادق: اطراف المعارضة اعلنت سيرها بأزعور وايضا “لبنان القوي” كاملاً من ضمنه “الطاشناق”، وكتلة الاعتدال ليست بعيدة عنّا وأجواء “اللقاء الديمقراطي” واضحة، ومعلوماتي أنه سيصوّت لأزعور، علما ان اذا أعطى وليد جنبلاط هذه الورقة للثنائي سيكون قضى على لبنان”. وأعلن “أننا حتى الآن استطعنا أن نجمع 55 صوتاً لجهاد أزعور وفي الدورة الثانية سنتخطى الـ70 صوتا”… اما منذ ايام، فأكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن أزعور سيحوز أكثر من 65 صوتاً مع أصوات التيار الوطني الحر، مشيرا الى ان مرشح الممانعة لن ينال اكثر من 55 صوتا. كما استبعد أن يلجأ نواب الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الورقة البيضاء “لأن رئيس الحزب وليد جنبلاط هو من سمّاه”.
وبينما موقف “اللقاء الديمقراطي” سيعلن الثلثاء او الخميس كحد أقصى وهو يُسرع الخطى نحو تأييد أزعور، تقول المصادر ان إحصاء الاصوات وتحديد توزّعها في شكل نهائي، امرٌ شبه مستحيل ومعقّد، معتبرة ان اصوات “الاعتدال الوطني” والنواب السنّة المستقلين بالاضافة الى مدى تقيّد نواب “لبنان القوي” بأزعور، سيرجّحان كفّة ازعور او فرنجية، كما ان يجب رصد عدد نواب التغيير الذين سيقترعون لأزعور، علما ان عددا منهم تواصلوا معه في الايام الماضية، ويبدو ان 3 منهم فقط، حسموا موقفهم سلبا منه، بينما 4 لم يحددوا خياراتهم بعد.
وللتذكير، فإن نواب تكتل “الاعتدال الوطني” ومنهم سجيع عطية، كانوا اعلنوا انهم في انتظار التوافق المسيحي على اسم، وها هو قد حصل على المرشح ازعور، فهل سيؤيده التكتل؟ وماذا ايضا عن نواب الطاشناق، الذين مِن المستبعد ان يخالفوا توجهات رئيس مجلس النواب.. هل يُمكن ان يبدّلوا موقفهم في الدورة الثانية مثلا؟
انطلاقا من هذه المعطيات كلّها، حيث بعضُها “ضبابي” وبعضُها واضح، تقول المصادر ان تأكيد فوز هذا او ذاك مستحيل، لافتة الى ان جلسة الانتخاب العتيدة ستشكل اختبارا بالذخيرة الحية وسستُسهم في تحديد أحجام كل فريق.. لكن في حال شعر الثنائي الشيعي ان ازعور سيتفوّق على فرنجية، قد يُكرّر لعبة التصويت بالورقة البيضاء في الدورة الاولى مع تطيير نصاب الدورة الثانية.. إلا اذا، تختم المصادر.