لبنان للوراء دُر.. تأجيل الاستشارات رداً على ترشيح الحريري
بيروت ـ عمر حبنجر عادت الازمة الحكومية اللبنانية الى نقطة الصفر بعد عزوف سمير الخطيب، الذي كان حتى اول من امس، الاوفر حظا للتكليف بتشكيل الحكومة، وعقب تأجيل الاستشارات النيابية التي كان من المفترض ان تعقد امس. المصادر العليمة تقول ان مسار الامور كان يقتضي اجراء الاستشارات امس، ليسمي الرئيس سعد الحريري مجددا، ثم يغادر…
بيروت ـ عمر حبنجر عادت الازمة الحكومية اللبنانية الى نقطة الصفر بعد عزوف سمير الخطيب، الذي كان حتى اول من امس، الاوفر حظا للتكليف بتشكيل الحكومة، وعقب تأجيل الاستشارات النيابية التي كان من المفترض ان تعقد امس. المصادر العليمة تقول ان مسار الامور كان يقتضي اجراء الاستشارات امس، ليسمي الرئيس سعد الحريري مجددا، ثم يغادر الى باريس ليكون حاضرا في اجتماع الامناء العامين لوزارات الخارجية في مجموعة الدول المانحة، وقد جاء التأجيل الى الاثنين المقبل بمنزلة رد من القصر الجمهوري على ما جرى من ادخال للدين في صلب العملية السياسية، في خطوة غير مسبوقة، تمثلت بتسمية مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان من سيكلف بتشكيل الحكومة، ما شكل اختزالا لدور مجلس النواب او تجاوزا له ولاتفاق الطائف ضمنا. غير ان مصادر قريبة من اجواء تيار المستقبل فسرت دخول المفتي على الخط صحح الخطأ الدستوري الحاصل من خلال اعطاء اولوية تشكيل الحكومة على تكليف الرئيس الذي من شأنه تأليفها من خلال تسبيق التكليف، من خلال كلام المفتي، على التأليف الذي كان يتمسك به رئيس الجمهورية. وبمعزل عن كل ذلك، ثمة خلفية اخرى لتأجيل الاستشارات الى الاثنين المقبل يردها المتابعون الى الرغبة في احباط رغبة الحريري في المشاركة بمؤتمر باريس المقرر غدا بصفته «رئيسا مكلفا» وليس «رئيسا مستقيلا» و«مُصرِّفا للاعمال»، ومن هنا كانت رسائله الى زعماء الدول مطالبا بدعم لبنان. ويزعم المتابعون ان الحريري كان يرمي للعودة من مؤتمر باريس برزمة مساعدات وبشحنة من المعنويات توصله الى السراي الكبير على حصان ابيض. والذي حصل ان تأجيل الاستشارات جعل الحريري يصرف النظر عن زيارة باريس اقله قبل الاربعاء، والاتفاق على تمثيل لبنان بالامين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي وبالمدير العام للقصر الجمهوري جورج شقير، ولم يصدر أي موقف عن الحريري بعد. وقد رجحت الانطباعات السياسية ان يكون الرئيس سعد الحريري وراء طرح الاسماء لتشكيل الحكومة ومن ثم سحبها ضمن اطار التمهيد لعودته الى السراي الكبير. الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة تحدث عن استعصاء مستمر في تطبيق برامج الاصلاح التي يحتاجها لبنان، بينما يرى وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال كميل ابوسليمان ان لبنان في الهاوية، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الاستــشارات النــيابيــة الملزمة ستسمي الحريري لتشكيل الحكومة بمعزل عن رأي المفتي دريان، وفي حال تراجعت الاعتراضات عليه من قبل بعض الكتل النيابية والحراك الشعبي، وبالتالي هل سيتسنى له تشكيل حكومة مستقلة من اختصاصيين (تكنوقراط) كما يشترط ام بحكومة تكنو-سياسية أي بأربعة وزراء دولة واختصاصيين حزبيين او قريبين من الاحزاب كما يريد الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل والثنائي الشيعي وترك 3 مقاعد للحراك الشعبي؟ وهل سيعود الحريري دون الوزير باسيل؟ النائب سامي الجميل قدم السفير في الامم المتحدة سابقا نواف سلام لتشكيل الحكومة، واستغرب تأجيل الاستشارات من اجل تركيب الطبخة، واصفا ما يحصل بأنه ذروة الاستخفاف بعقول الناس. بدوره، اعتبر النائب عبدالرحيم مراد ان مصادرة الحياة السياسية من قبل المرجعيات الدينية تنهي دور مجلس النواب. النائب فيصل كرامي ذهب الى ابعد من ذلك، حيث سأل في تغريدة له عن جدوى الاستشارات النيابية الملزمة اذا كانت الطائفة السُنية اعلنتها من دار الفتوى مبايعة شاملة لسعد الحريري؟ وقال: الطائف باي باي. ويغمز كرامي ومراد في قولهما هذا من قناة المفتي الشيخ عبداللطيف دريان الذي نقل عنه المرشح المعتذر سمير الخطيب تبنيه سعد الحريري لرئاسة الحكومة. النائب السابق د.فارس سعيد سئل عما اذا كان الحراك الشعبي يقبل بالحريري ام ان عودته تعني حكما عودة الوزير جبران باسيل، فأجاب: بداية، وصلنا الى نقطة لا حكومة دون حزب الله ولا حكومة مع حزب الله.. بمعنى اذا شكلت حكومة دون الحزب، فالحزب لن يسمح بها، واذا شكلت مع حزب الله فمثل هذه الحكومة لن تستطيع الوصول بالسياسة حتى الى قبرص، ايا كان رئيسها، الحريري او سواه، ولن تستطيع استعادة ثقة العالم بلبنان، فالازمة التي نحن بها طويلة، ولا حل لها بعلاجات سطحية، الحل بعلاج سياسي كبير، وهذا غير متوافر حاليا، لذلك فإن هذه الازمة طويلة الامد، وربما ستكون كارثة على اللبنانيين.
أعلن مفوض الاتحاد الاوروبي لإدارة شؤون النازحين يانيز لينارتشيتش أن زيارته الى لبنان تأتي “تعبيراً عن تضامن الاتحاد الاوروبي مع هذا البلد الذي يجد نفسه في وضع صعب جداً بسبب الأزمة المالية وانسداد الأفق السياسي والأزمة السورية، التي دفعت بعدد كبير من اللاجئين السوريين الى هذا البلد”.
وقال: “أودّ أن أعبّر عن الإعتراف بالتحديات التي يشكلها هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين وما يمثلونه لبلد بحجم لبنان. وسنستمر كما فعلنا منذ 12 عاماً، في مساعدة ودعم كل اللاجئين السوريين كما بدعم اللبنانيين الأكثر هشاشة. إن عدد اللبنانيين الذين هم بحاجة ارتفع جداً في الآونة الأخيرة بسبب الأوضاع الحالية والتضخم وانخفاض قيمة الرواتب وعدم قدرة الدولة على تقديم الخدمات اللازمة، وهذا يشكل مصدر قلق بالنسبة إلينا”.
أضاف: “قدّمنا نحو 60 مليون يورو للمساعدات الإنسانية للعام 2023 وهذا المبلغ يمثل زيادة بنسبة 20 في المئة عمّا كانت عليه الأموال المخصصة السنة الماضية. إن المساعدات الإنسانية ليست حلاً مستداماً على المدى الطويل، بل هي مساعدات طارئة للحفاظ على الحياة. لكن هذا البلد يحتاج لأكثر من ذلك، فهو يحتاج الى إصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحية واتفاق مع المجموعة الدولية خصوصاً مع صندوق النقد الدولي، وهذا الإتفاق سيفسح المجال أمام المساعدات المالية لتأتي الى لبنان ومنها المساعدات الأوروبية التي يمكن أن تساعد لبنان على التعافي من الأزمة التي يمر فيها”.
لا صوت يعلو بالملف الرئاسي على صوت التطورات الإقليمية المتسارعة، إذ تقر معظم القوى السياسية بأنها تنتظر انعكاس هذه التطورات على الداخل اللبناني وضمنا على الانتخابات الرئاسية العالقة في عنق الزجاجة بسبب التوازنات البرلمانية التي تتيح التعطيل لا فرض مرشح رئاسي محسوب على فريق معين.
ويبدو أن “حزب الله” الذي سعى في مرحلة ماضية للوصول إلى تفاهم مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وصل إلى قناعة بانسداد هذا الطريق، ما أدى إلى تراجع التواصل بين الطرفين إلى حدود دنيا، وفق معلومات “الشرق الأوسط”، وهو ما دفع باسيل للتصعيد أخيراً متهماً الحزب بالتراجع عن وعد قطعه له بعدم السير بأي مرشح لا يقبله باسيل.
ويشير أحد الأقطاب اللبنانيين المعنيين بالملف الرئاسي إلى أن “الانفراج الإقليمي الحاصل سيصل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان على شكل تسوية تؤدي لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ببرنامج عمل واضح”، لافتاً في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أنه “بعد وصول كل القوى لقناعة بعدم إمكانية فرض مرشح رئاسي معين، فالكل ينتظر كيف ستتبلور الأمور خارجياً بما يسمح بتأمين نصاب انتخاب رئيس للبلاد من منطلق أنه إذا كان فريق معين قادراً على تأمين 65 صوتاً لمرشحه فهو لا شك غير قادر على تأمين نصاب الجلسة الذي يحتاج إلى حضور 86 نائباً”. ويرى المصدر أن “إمكانية التواصل والحوار بين فرنجية ورئيس حزب “القوات” سمير جعجع باتت، نتيجة مواقف باسيل، أكبر من التلاقي بين فرنجية و”الوطني الحر” مجدداً، وإن كان رئيس “المردة” غير متمسك بغطاء أحد الزعيمين المسيحيين، رغم اعتباره أن سير أي منهما به أمر يخدمه، ويرى أن زعامته كافية لرئاسة الجمهورية، خصوصاً أن اجتماع الأقطاب المسيحيين الأربعة الذين التقوا في بكركي عام 2014 أكدوا أحقية أي منهم بتبوؤ سدة الرئاسة، كما أنه الوحيد القادر حالياً على جمع هذا العدد من أصوات النواب غير المسيحيين”.
ويشير المصدر إلى أن “باسيل يدفع في كل الاجتماعات واللقاءات التي يجريها بالوزير السابق جهاد أزعور للرئاسة لكنه يتجنب إعلان أنه مرشحه لاعتباره أن ذلك من شأنه إحراق ورقته”، لافتاً إلى أنه “كان قد اقترح اسمه على حزب الله في وقت سابق لحاكمية مصرف لبنان”. ويعتبر المصدر أن “حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون تراجعت تلقائياً مع إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن انتخابه يتطلب تعديلاً دستورياً”، مشيراً إلى أن “ظروف انتخاب عون تختلف كلياً عن ظروف انتخاب فرنجية”.
في هذا الوقت، يبدو أن بري لم يحسم أمر الدعوة لجلسة لانتخاب رئيس بعد عيد الفطر، إذ يفضل، وفق المعلومات، أن “تحقق أي جلسة خرقاً وأن يكون نصابها مكتملاً، لكنه في الوقت عينه لا يريد أن يتحمل أمام المجتمع الدولي مسؤولية عدم انتخاب رئيس من خلال رمي البعض كرة التعطيل في ملعبه طالما هو لا يدعو لجلسات”.
أما قوى المعارضة، فلا تزال تتخبط في خلافاتها. فمع تخلي الحزب “التقدمي الاشتراكي” عن ترشيح النائب ميشال معوض بات التفاهم بين هذه القوى على مرشح جديد أشبه بـ”المهمة المستحيلة” على حد تعبير أحد النواب المعارضين. ولعل استعار السجال بين عدد من نواب “التغيير” ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أكبر دليل على صعوبة تفاهم القوى المعارضة لـ”حزب الله” على مرشح قادر على أن يجمع 65 صوتاً تسمح له بالفوز في الدورة الثانية.
وأمس، أكد رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل أن “حزب الله لن يتمكن من فرض رئيس جمهورية على اللبنانيين، وإن قاموا بفتوى فسيكون رئيساً على جمهورية حزب الله وليس على جمهورية اللبنانيين”، مشدداً على أن “لا أحد قادر على فرض إرادته على اللبنانيين”.